التاجر داوود بن سليمان بن سالم البلوشي
———————
صاحب بدن السّامرين في قريات
و أول محطة بترول شل
و أول مُوَرِّد للرز زمن القنطرول
و أول مطحنة حبوب في سوق قريات
———————-
حسن بن علي البلوشي
عندما تقف أمام دكانه لا تجد فيه ما يبيعه ويشتريه من البضائع والسلع.. خاليا محتواه إلا من خزنة نقود وصندوق خشبي "سكتوري" يحفظ به باكيتا صغيرا به فَلَّه من السجائر العربية وورق اللف ، يملأ قطعة الورق الشفاف بشعيرات التبغ .. يلصقها بريق لسانه حتى تستوي لفة السيجارة ، يشعلها بعود كبريت يعدل بدخانها المزاج ، وكثير من شياب ذلك الزمان كانوا على هذه الشاكلة.. بعضهم يملأون كنانة مدوخ البوري بالتمباك ويشعلون فتيله.. يمجّون طرف البوري .. يسحبون نفسا طويلا.. يخرجون الدخان من أنوفهم.. يسعلون حتى تجحظ العيون وتحمر المقل، وهكذا يتعدّل المزاج لديهم .
يجلس التاجر داوود متربعا في ناصية المحل .. يضع إحدى قدميه فوق ركبته، ويمسح على باطن قدمه بيده.. هكذا اعتاد.. يشبهه في ذلك ولده علي. وحول التاجر داوود يجلس عدد من التجار والمشترين، بعضهم من البواطن وآخرين من الشراقي ، بعضهم يشتري التمور، والبعض الآخر يشتري ديزل وكيروسين وحطب السمر ، والبعض الآخر يقصده في شراء الأسماك ومنتجاتها من زعانف سمك القرش "الذرو " و"صلّ " زيت السمك..
محله في السوق يقع بين محل التاجر المعروف سعيد بن حمد العامري ومحل الدلال محمد بن حمد الحسني في السكة المحاذية لسوق السمك.. كانت تجارة الوالد داوود في سوق قريات القديم كثيرة ومتعددة في الستينيات.. كان يستورد من عبادان إيران عبر البواخر الكيروسين أو الكاز الذي يطلق عليه محليا "حل تراب" وقود القناديل للمنازل والمساجد ، والديزل وقود مكائن الطويان التي تسقي الرقعة الزراعية.. تصل إليه مباشرة في براميل كبيرة عبر السفن ، تربط بعضها بعضا بالحبال في السفينة وتنزل منها على شكل قاطرة تسحب في ماء البحر حتى تدخل الشاطئ قبالة سبلة العشور ، ومن هناك تدحرج بواسطة الحمالية حتى تصل السوق ، أنشأ أول محطة بترول شل في قريات تبيع للمواطنين احتياجاتهم من الديزل والبترول والكاز الكيروسين .
ومن مسحاب حطاط يجلب إليه حطب الطبخ "السمر " بواسطة الجمال والحمير .. يكومه أمام منزله بالأطنان ، يبيعه لأصحاب المحامل والسفن التي تسافر إلى العالي وكذلك أصحاب تراكيب الحلوى وغيرهم. كانت تجارة حطب الطبخ رائجة ذلك الزمان يستفيد منها عدد كبير من المواطنين في الولاية ، كما يصدّر التاجر داوود بن سليمان الأسماك مجففة ومملحة تسمى محليا "تشيريه" وزعانف أسماك القرش الذرو تدخل في العلاجات والتطبيب.. يرسله إلى صديقه التاجر خليفه في رأس الخيمه ، الذي يصدره بدوره إلى الصين والهند وكذلك يصدّر زيت السمك "الصل" الذي تُجلى به القوارب والبواخر ، أما الرز أو العيش فيأتيه من الهند مباشرة إلى قريات بواسطة التاجر كيمجي رامداس ومن أنواعه عمبر بوه وبيشاور وشبّوه والقضامه الأقل جودة وعندما يشح الرز في البلاد أيام القنطرول يبيعه بالتخصيص وتشتريه الحكومة أيضا لسد النقص ، وبعض الكميات يشحنها إلى صديقه عبد القادر ميرهادي شهرورزي وهو تاجر إيراني مشهور في سوق مطرح الذي بدوره يوزعه على المحال التجارية .
يصدّر التاجر داوود بن سليمان سمك الكنعد مجففا إلى دولة الكويت والهند عبر السفن واللنشات ويستورد تمور القوصرة من البصرة في العراق يبيعها جملة لتجار التمور في سوق قريات ..
يمتلك التاجر داوود أكثر من بدن سفّار من بينها قارب "السحلة" والبدن العود المعروف ببدن
"السّامرين" الذي يعمل فيه النوخذه سالم بن خلفان الفوري وأولاده .
يمتلك التاجر داوود من الأموال الخضراء والطويان العامرة بأشجار الأمبا والنخيل في ولاية قريات الكثير والتي من بين أهمها في مركز الولاية طوي الكبيدا الواقعة شمال حصن قريات الأثري والتي يسكنها ويعمرها حاليا أكبر أولاده إبراهيم أمَدّ الله في عمره، وطوي الخضراء المسماة قديما بطوي بوقرطة غير بعيدة عن الكبيدا ، تسقط فيها مرامي مدفع العيد والمناسبات لوقوعها مباشرة قبالة حصن قريات، وطوي بوشريشه ، وطوي الجديدة، وطوي الباغ .
ونظرا لحاجة الولاية لمطحنة حبوب وفّر مكائن ومطاحن آلية لطحن الحبوب.. لقد وفرت تلك المكائن الجهد والوقت على المواطنين في قريات .
توفي التاجر داوود بن سليمان البلوشي رحمة الله عليه ورضوانه في العام ١٩٨٦م بعد حياة حافلة بالنشاط التجاري المتنوع، لكنه لم ينس أن يقدم من الخير والبر لآخرته؛ فقد خصّص أرض مزرعته "أبو شريشة " مقبرة لأموات المسلمين، كما وهب منزله المسمى "بيت النخلة" وقفا لمسجد البلوش بمحلة السوق ، وأقام مسافر خانه بجانب منزله ينزل فيه أصحابه من التجار وعابري السبيل الذين يقصدون قريات من باقي المناطق .
رحم الله التاجر داوود وأسكنه فسيح الجنان وجزاه الله عن الجميع خير الجزاء إنه سميع مجيب .
