بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 5 مارس 2024

abuamna

قصة سالم مبارك المعشني احد ابطال سلطنة غمان

 



لم يكن متطفلًا على صفحات التاريخ بل صانعًا له، ومُشكلًا عقدة المتسلسل من تاريخ عمان الحديث. ذكره الكتاب والمؤرخون، وتُردد السير الذاتية له ولأصدقائه الأوفياء من رفقاء النضال، في كتاب ظفار الصراع السياسي والعسكري في الخليج العربي 1970 إلى 1976 للكاتب رياض نجيب الريس، وفي كتاب ظفار الثورة في التاريخ العماني المعاصر للكاتب محمد الدريبي العمري، وكتاب روبيرت جرين رائد بكلية القيادة والأركان بالجيش الأمريكي، والمخرج والمنتج البريطاني روجر كول ريتشارد بلفيلد، والكاتب الإيرلندي توني جيبز، وغيرها من المصادر التي تناولت عبقرية هذا الرجل.

حديثنا هنا عبر “أثير” عن سالم مبارك صيف الذي وُلِد عام 1932م في قرية بريف ظفار تسمى “ذا العيون” وهي تابعة لولاية طاقة، ونشأ منذ الصغر على تعاليم الدين الإسلامي، حيث تعلم القراءة والكتابة وختم القرآن وهو لم يتجاوز السادسة من عمره، والده مبارك أحمد شيكال المعشني الملقب” سيجبوج “كان رجلا تقيا ذا مال وجاه ونفوذ وله معارف كثر وكان مقصدا للمحتاج .


لما بلغ سالم مبارك مرحلة الشباب تبلورت في ذهنه سبل تطوير قدراته وتحقيق طموحاته وفي عام 1955م تقريبا وبعد وفاة والده استأذن أخاه في السفر إلى الخليج الذي شهد طفرة بعد اكتشاف النفط. كان سالم تواقا ‏للمعرفة والعمل الجاد خاصة العمل العسكري في تلك الفترة التي كانت سمةَ ذلك العهد.

توجه سالم مبارك إلى الشارقة، والتحق بـ “قوة ساحل عُمان” وبرع في التدريب والانضباط العسكري وأصبح محل اهتمام قائد القوة وضباطها الأنجليز فتم ضمه إلى السرية المكلفة بإخماد حرب في الجبل الأخضر عام 1958 م نظرًا لشجاعته.

اقتحم جنود قوة ساحل عمان إحدى القرى السكنية في الجبل الأخضر ولم يجدوا المقاتلين، فجمعوا كبار السن والنساء والأطفال واختلط صراخ النساء وبكاء الأطفال خوفا من فوهات البنادق المصوّبة نحو وجوههم، لم يحتمل المعشني هذا المشهد الذي اقشعر له بدنه وفار الدم في وجهه حميةً وثارت غيرته، كانت بندقيته على كتفه فوجهها إلى رأس قائد القوة الأنجليزي وأقسم يمينا بأعلى صوته “إن لم تأمر جنودك بالانسحاب الفوري سأنسف رأسك بما تبقى من رصاص في بندقيتي” .

أشهر سلاحه في وجه عسكريين بريطانيين حين أرادوا الإمساك بأُسرٍ كان أفرادها ضمن ثوّار الجبل الأخضر، مما حدا بالبريطانيين إلى التراجع ودب الخلاف بينهم.

بعد أن هدأت الأمور تم التفاوض معه وأخذوه للمعتقل، وحُكِم عليه بالإعدام رميًا بالرصاص، وخلال مدة الحكم كانت القوة بانتظار قدوم الممثل السامي البريطاني من البحرين لتنفيذ حكم الإعدام بحق سالم مبارك لكنه لاذ بالفرار من المعتقل .

في عام 1961م توجه إلى الدوحة وانضم إلى “قوة دفاع قطر “وتدرج في السلم العسكري إلى أن تقلد رتبة ملازم أول، خلال فترة عمله كان يتنقل بين الكويت والعراق وقطر لتنسيق العمل الثوري في ظفار، وتخلل تلك الفترة التحاقه بدورات عسكرية ميدانية وتدريبية حتى تشكلت لديه فلسفته الخاصة ونظرياته ومعادلاته العسكرية التي تدرس في الكليات الغربية منها 1-1=2 التي تعني أن انضمام شخص من الثوار إلى صفوف الجيش تكسبنا رقما وتنقص رقمًا من الجانب المقابل

 في عام 1964م كانت الإرهاصات الأولى لتشكيل “ثورة ظفار ” وكان سالم مبارك أحد أبرز المؤسسين وحين أدرك تزايد عدد الجنود من ‏ عُمان وتحديدا من ظفار أسس مع رفاقه ( منظمة الجنود الظفاريين ) وهو تنظيم سري كان يُعنى بتنظيم العمانيين في صفوف الثورة .

في عام 1965 وتحديدا في يونيو كانت منظمة الجنود الظفاريين بقيادة سالم مبارك المعشني على أهبة الاستعداد للكفاح المسلح مع منظمة القوميين العرب بقيادة محمد أحمد الغساني ومنظمة الجمعية الخيرية الظفارية بقيادة مسلم بن المسهلي وكل هذه المنظمات اجتمعت في الكويت مكونة جبهة تحرير ظفار .

في 9 يونيو تم الإعلان عن تأسيس ثورة 1965م، وكان سالم مبارك متنقلا بين ظفار والصين والعراق وقطر، وفي عام أواخر 1968م عاد إلى ظفار وكان حينها قائد المنطقة الشرقية في جبهة التحرير .

في العام نفسه كانت الجبهة قد تبنت الفكر الماركسي في مؤتمر “حمرين” وأعلن سالم مبارك معارضته للفكر الماركسي وترأس وفد المعارضة وكان متمسكًا بقراره في كل اجتماع يعقد بأنه لا يمكن القبول بأي فكر يخالف الشريعة الإسلامية، وكان المواطنون يتناقلون أخباره في كافة أنحاء ظفار .

وفي يوم 12 سبتمبر 1970 حدث الانقسام بين الحركات المشكلة للجبهة وأدى الانقسام إلى تمرد المنطقة الشرقية على القيادة، وكان سالم مبارك المعشني هو من تزعم هذا التمرد وتم اعتقال العديد من أفراد القيادة ممن يحملون الفكر الماركسي وعلى أثر ذلك عقد مؤتمر تصالحي بين القيادة والمعارضة في وادي دربات وسمي مؤتمر دربات التصالحي واتفق الطرفان لكن كان الاتفاق هشا حينها كان السلطان الخالد قابوس بن سعيد قد تقلّد مقاليد الحكم وبعد مؤتمر دربات وعدم التزام القيادة بشروط الصلح التي وضعها سالم مبارك قرر الانضمام للحكومة وكان ذلك في 8 أكتوبر 1970م، حيث توجه إلى ولاية طاقة وكان في مقدمة مستقبليه الشيخ عيسى بن أحمد والشيخ ماجد بن مصبح وكانوا فرحين بانضمامه للحكومة حيث قال الشيخ ماجد (فازت الحكومة بانضمام سالم ).

خلال تلك الأيام كان سالم مبارك ينتابه القلق والحزن لما آلت إليه الأوضاع في ظفار وبخاصة في ريفها إلى أن دخل على السلطان الخالد وناقش معه عدة مواضيع متعلقة بأمن البلد واستقراره. وعرض عليه فكره تأسيس فرقة محلية من الثوار الذين سينشقّون لاحقا، وافق السلطان على المقترح خلال تلك اللحظة وخرج سالم مبارك ضاحكا مستبشرا

قام يجوب المساجد والأماكن العامة والمجالس حاملا معه رسالة النصح وذلك من خلال إلقاء محاضرات وندوات، كذلك قام بكتابة منشورات تدعو الثوار إلى إلقاء السلاح والانضمام لحكومة السلطان قابوس وتم ذلك بواسطة الطائرات التي كان على متنها سالم مبارك وهو يلقي المنشورات في كل وادٍ، وكل مكان يوجد فيه الثوار من الشويمية شرقًا مرورًا بوادي دربات ووادي خشيم انتهاءً بالمناطق الوسطى والغربية من ظفار.

ساعد ذلك الكثير من الثوار للانضمام للحكومة بعد أن استدعى السلطان قابوس -طيب الله ثراه – شيوخ ولاية صلالة. ومما يرويه بعض شيوخ وأعيان مدينة صلالة أن صاحب الجلالة طلب من بعض شيوخ ووجهاء صلالة التنسيق مع القائد سالم مبارك والذهاب إلى الجبل بغية الاجتماع مع قادة الجبهة الشعبية من أجل إقناعهم بإلقاء السلاح وتسليم أنفسهم للحكومة في صلالة، أملا في صون الدماء، وتجنب الاقتتال، عندها قام سالم مبارك وبين لصاحب الجلالة مدى الخطر الذي يتهدد هؤلاء الشيوخ في حالة ذهابهم إلى الجبل وليس أقله من الإعدام والموت كما حصل لنظرائهم من شيوخ وأعيان ظفار، فاقتنع جلالته برأي سالم.

خرج مبارك لمقابلة قائد القوة الجوية الخاصة وعرض عليه الفكرة ذاتها التي عرضها على السلطان قابوس، اندهش توني وقال له كيف ستؤسسها وأنت وحيد؟ قال له متى ما علموا رفاقي بانضمامي للسلطان سيأتوننا للمشاركة في قوات السلطان المسلحة وسيقفون معي .

قرر مبارك تسمية كل فرقة على اسم محارب إسلامي كبير، وكان أولها فرقة صلاح الدين أحد أعظم القادة في التاريخ. كانت تسميتهم لفرقهم بأسماء القادة الإسلاميين العظماء عبقرية خالصة؛ من أجل السير على خطاهم.

انضم لسالم مبارك بداية ما يقارب الـ 25 شخصًا، وزاد فيما بعد ليصل عددهم إلى 32 شخصًا.

تم فحصهم والموافقة عليهم من قبل الوالي بريك والقائد سالم مبارك ، بعد ذلك وبعد أن اكتمل العدد خصص لهم مبنى (كوت) ليكون مقرا لأعضاء الفرقة وقبل تجهيز الفرقة بالسلاح دخلوا على السلطان، ورحب بهم وأثنى عليهم وشكرهم على تطوعهم لدفاع عن وطنهم وقال أنا وكلت سالم مبارك لقيادة الفرقة.

وبعد أن أنهى صاحب الجلالة كلمته تحدّث سالم مبارك، واختار محمد سعيد قطن ليكون نائبا له. وفي 11 من ديسمبر 1970 تم تسليح وتجهيز الفرقة جيدا.

في اليوم 15 ديسمبر 1970م توجه إلى مرباط عبر البحر في مركب من ريسوت، وبعد وصولهم شرع سالم مبارك بتسليم المهام لبعض أفراد الفرقة. وتم تثبيت 7 خيام للفرقة على ساحل مرباط، واستدعى شيوخ وأعيان المنطقة وحدثهم بكل ما جاءوا من أجله وعن نهج صاحب الجلالة والتحذير من الفكر الشيوعي وبعد أن أنهى كلامه رحبوا بهم وأثنوا على صاحب الجلالة وعلى سالم مبارك ومن هناك قاموا بتسيير الدوريات في الولاية.

اختار سالم مبارك مرباط لتكون المكان الأنسب لتثبيت قيادة الفرقة بحيث تقوم بتمشيط المحافظة من شرقها لغربها

وفي عملية الاستيلاء على بلدة سدح الساحلية بفبراير 1971م استخدم سالم مبارك تدريبه الذي قدمه الشيوعيون لتحقيق تأثير كبير. بعد هبوط جريء ليلا من البحر، سيطرت فرقه صلاح الدين على المدينة دون عنف، وبعد رفع العلم العماني فوق الحصن في وسط البلدة، صاح زعيم الفرقة سالم مبارك في المدينة بأن الفرقة موجودة هنا لتبقى ، وأن الشيوعيين انهزموا، وأن جميع الرجال يجب أن يتجمعوا في الساعة 10:00 صباحا.

يعود الفضل لمبارك في فكرة تشكيل فرقة مخلصة للسلطان ليس فقط لمحاربة العدو، لكن أيضًا لتجنيدهم لتغيير الجوانب ودعم السلطان. وكان وصول مبارك وتشكيل فرقة صلاح الدين نقطة تحول في الحملة ، ولكن أيضًا نقطة تعلم.

كان التفكير الأولي هو مزج القبائل داخل كل فرقة ليكون بمثابة نقطة معادلة بحيث لا تصبح أي قبيلة واحدة قوية للغاية.

شكل سالم مبارك جهازا استخباراتيا مصغرا (عيون) لجمع المعلومات في ولاية مرباط وولاية طاقة ووصلت إلى العمق الريفي حتى تمكن من كشف بعض الأعضاء في المدن وألقى القبض عليهم، وقرر الإنجليز معاقبتهم لكن سالم مبارك تدخل وقال أنا القائد هنا بأمر من السلطان، فتحدث سالم مبارك مع المعتقلين ووعدهم بألا يمسهم ضرر وأحسن معاملتهم وعمل معهم صفقة، وبهذا الأسلوب استطاع أن يكسبهم وانخرطوا في الحكومة.

استمر الوضع كما هو في مرباط، إلى اليوم 15 فبراير حيث اجتمع سالم مبارك مع قائد القوة الخاصة توني جيبز وقال له بأنه يريد أن يتوجه إلى ولاية سدح، لتحريرها وأنه وصلته معلومات بأنها تحت سيطرة الثوار بقيادة أحمد محمد العمري (قرطوب)، فاتفقوا دون علم الفرقة وطلب توني جيبز من المدرب تكثيف التدريب لأعضاء الفرقة .

في 22 من فبراير توجه المقاتلون بقيادة سالم مبارك إلى المركب (البوم) وكانت متجها إلى جنوب غرب باتجاه صلالة للتمويه. أبحرت السفينة واتجهت إلى داخل البحر بنفس الاتجاه جنوب غرب حتى غابت اليابسة عن الأنظار وبعدها انعطفت شرقا دون أن يشعر أفراد الفرقة بذلك. مرت الساعة حتى أظلم الليل ومن هناك وصلت السفينة إلى (جنجري) الساعة الواحدة فجرًا. واستمرت إلى أن رست مقابل سدح ونزل منها بعض الأفراد لتمشيط المنطقة وكانت خالية تماما من الثوار.

وقبل الفجر رُفِع العلم فوق الحصن (حصن سدح الشهير)، وأذن سالم مبارك وصاح بأعلى صوت ينادي للناس وقال لهم أريد أن أجتمع بكم الساعة العاشرة صباحا .

وفي تمام العاشرة صباحا قام سالم مبارك وخطب بهؤلاء المواطنين من شيوخ وأعيان البلدة، وقام بتبشير المواطنين بالعهد الجديد، وبوعد السلطان قابوس ببناء عُمان ومستقبلها، ففرح الناس وقام كل مواطن من الولاية بأخذ فرد من أفراد الفرقة ليستضيفه في بيته، وبهذا سيطرت الفرقة على سدح سيطرة كاملة .

علم سالم مبارك بأن هناك حوالي 25 شخصًا من قيادة قرطوب في أحد الأودية ولا يعرف مكانهم، بعد يومين جاء رسول من طرف قرطوب محذرًا الفرقة وقال لهم إذا تريدون الاستسلام لديكم مجال لذلك، لكن مبارك استطاع من خلال حديثه مع الرسول معرفة مكان الفصيل .

يقول توني جيبز : “نهض سالم مبارك فجأة ومعه رجاله مسرعين وكأنه يقول هذا الموضوع لا يعنيكم أنتم البيض ويقصد البريطانيين” ، فقاموا بمحاصرة قرطوب ورفاقه من فوق الجبل وهم في بطن الوادي، واستمر التفاوض بين سالم مبارك وقرطوب لساعات حتى استطاع سالم أن يقنعهم وخرج من المجموعة سبعة رجال هم خيرة المجموعة مع قرطوب وذهبوا مع سالم مبارك وتفاوضوا في غرفته وبالفعل انضم قرطوب لحكومة السلطان، ومن سدح رتب لهم سالم مبارك عبر البرقية مقابلة مع السلطان وتم الاحتفال بهم في صلالة وانضم الآخرون للفرقة كذلك.

بعد أن سيطر سالم مبارك ورجاله على ولايتي سدح ومرباط وضمها للحكومة رجع إلى صلالة وقابل السلطان وأثنى عليه ووعده السلطان بأن يقود جيش السلطان مستقبلا وأعطاه هدايا لأفراد الفرقة، وجلس ما يقارب أسبوعًا في صلالة ثم رجع إلى مرباط وهو ضاحك ومستبشر بالأخبار التي حصل عليها من جلالته.

وفي الساعة العاشرة من مساء تلك الليلة مرض سالم مبارك فجأة وكان يرتجف ويشعر بآلام في صدره وجاء الفريق المسعف لعلاجه، ودخل عليه توني جيبز ورآه يرتجف، وسأل المسعِف: ماذا حصل له، فأجاب بأنه تعرض لذبحة صدرية ولا يستطيع القيام بأي شيء له، فتركه هكذا دون استدعاء لأطباء أو نقله إلى أم الغوارف لعلاجه من قبل المختصين .

في 5 مارس 1971م قام أحد الأعضاء ليصلي الفجر وليطمئن عليه فإذا به قد فارق الحياة.

وصل خبر وفاته السلطان الراحل وحزن حزنا شديدا وأمر فريقا طبيا بمعاينة جثمانه وتشريحه لمعرفة أسباب الوفاة، وبعد ذلك أمر صاحب الجلالة بالطائرات لنقل بعض الشيوخ والمواطنين إلى مرباط للصلاة عليه والتعزية فيه ودُفِن في ولاية مرباط.

الجدير بالذكر أنه تم إصدار كتاب عن سيرة القائد سالم مبارك المعشني بعنوان “مؤسس قوات الفرق الوطنية سالم مبارك حياة قصيرة وأثر عظيم” للباحث أحمد بن علي مبارك المعشني وتمت إجازته من قبل وزارة الإعلام وسيتم طباعته قريبًا. ويحتوي الكتاب على مائة صفحة يضم شهادات ووثائق من رفقاء دربه؛ عربًا وأجانب.

مصدر المقاله هنـــا





اشترك معانا لتشاهد مزيد من الفيديوهات :